طرق آمنة لأطفال بلا مأوي
عندما نتجول في شوارع مصر، قد نلاحظ أن بعض الأطفال ينامون علي الأرصفة أو تحت الكباري أو حتي يتسولون من أجل الحصول علي المال. هؤلاء الأطفال ضحايا لظروف مختلفة مثل الفقر والعنف المنزلي وغيرها من الظروف، إنهم محرومون من الاحتياجات الإنسانية الأساسية ويعيشون كل يوم كما لو كان آخر يوم لهم. هؤلاء هم أطفال بلا مأوي، يرفضهم المجتمع وغالبًا ما يتعرضون للتحرش الجنسي أو الاعتقال أو استغلالهم والاتجار بأعضائهم وقد يتورط بعضهم في السرقة وغيرها من أعمال البغاء. وعلي الرغم من كل المشاكل التي يواجهونها، إنهم يفضلون العيش في الشارع لأنه يوفر لهم المزيد من الحرية وبالتالي فإن عملية إدماجهم في المجتمع تصبح صعبة وتتطلب الكثير من الجهد.
تشير إحدي الدراسات أن ظاهرة الأطفال بلا مأوي هي واحدة من أهم المشكلات التي تعاني منها مصر. وفق هذه الدراسة، علي الرغم من عدم وجود معلومات قاطعة عن هذه الظاهرة إلا أن المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تشير إلي أنها آخذة في الازدياد لا سيما في المدن الكبري مثل بورسعيد والتي تعتبر مدينة جذب لهؤلاء الأطفال بنسبة 16.8% تليها مدينة القاهرة 31.6% تليها السويس 14.3% ثم الأسكندرية 6.3%.
يتم تعريف الطفل بلا مأوي بأنه كل طفل تحت 18 عامًا، أصبح الشارع بالنسبة له محل إقامة أو مصدر رزق ولا يتمتع بحماية كاملة أو إشراف أو توجيه من البالغين. تُقسّم منظمة الأمم المتحدة للطفولة الأطفال بلا مأوي إلي نوعين؛ النوع الأول هو أطفال لهم منزل ولكنّهم يعملون بدوام كامل أو جزئي في الشارع ثم يعودوا لمنازلهم وأهلهم للنوم، بينما النوع الثاني هوالأطفال ممن ليس لهم منازل و يتخذوا من الشارع مكان للعيش والنوم. هذه الظاهرة العالمية تتسبب في مشاكل لا حصر لها لملايين من الأطفال؛ يفتقر الأطفال إلي الضرورات الأساسية ويعيشوا في ظروف غير إنسانية ويعانون من الجوع والتحرش والاعتداء الجنسي وهم محرومون من الاحتياجات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.
تقول الدراسة أن علاوة علي التحديات المختلفة التي يواجهها الأطفال من تسوّل وسرقة وعمل في القاطاعات الغيررسمية والوظائف ذات الأجور القليلة، فإن أكبر تحدي يواجه هؤلاء الأطفال هو تصورات أفراد المجتمع عنهم وطريقة تعاملهم معهم. إنه من الصعب تقديرعدد دقيق للأطفال بلا مأوي بسبب كثرة تنقلهم داخل وبين المدن كما إنهم لا يتم احتسابهم في التعداد الوطني ولا ضمن المسوح الصحية والتعليمية. تُقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة عددهم بين 200000 و 1000000 أغلبيتهم في القاهرة والأسكندرية، وتقدّر جمعية قرية الأمل عددهم حوالي 300000 طفل. يوضّح الاستطلاع التي قامت به منظمة الأمم المتحدة للطفولة عام 2001 أن 88% من الأطفال يأتون من المناطق الحضرية بينما 12% منهم يأتون من مناطق أخري. ووفق الاستطلاع، فإن ثلثي الأطفال يتراوح أعمارهم من 13-16 عامًا وربع هذا العدد تحت 12 عامًا.
يفتقد الأطفال في وضعية الشارع ما يتمتع به باقي أطفال المجتمع من رعاية واهتمام من المؤسسات المتخصصة كمؤسسة الأسرة والمؤسسات التعليمية والصحية، فالتعرُّض المستمر للبيئات القاسية ونمط حياتهم يجعلهم عُرضة لتعاطي المخدرات مما يهدّد صحتهم العقلية والجسدية. يلجأ معظم هؤلاء الأطفال للكحول والمواد المخدرة للهروب نفسيًا من الوضع المؤلم الذي يعيشونه ويتسبب فيه من حولهم. تعددت الجهود التي تقوم بها كل من الدولة ومنظمات المجتمع المدني لتغيير حياة هؤلاء الأطفال للأفضل، فيُعتبر نشاط (أطفال قد الحياة) بجمعية رسالة إحدي هذه الأنشطة التي تعمل علي توفير حياة أفضل لهم وأن تجعل منهم نماذج ناجحة ومتفوقة في مختلف المجالات سواء العلمية أو الرياضية. تعمل دور إقامة (أطفال قد الحياة) علي إعادة إدماجهم في المجتمع من خلال بيئة اجتماعية سليمة وطبيعية، فمنهم من حصل علي بطولات في التايكوندو ومنهم من احترف في نادي كبير لكرة القدم ومنهم من حصل علي مركز متقدم في مسابقة عالمية للعلوم. لكن رغم أن الجمعية استطاعت أن توفر لهم مأوي وتقدم لهم حياة أفضل، ايزال هناك بعض التحديات المتعلقة بالشوارع التي يستخدمها الأطفال في تنقلّاتهم اليومية والتي شاركوها أثناء أنشطتنا التدريبية معهم وتتمثل في:
- استخدام الأطفال للتوكتوك كوسيلة مواصلات للذهاب لحضور دروسهم الخاصة وهي وسيلة غير آمنة منها بسبب إما تهوّر قائديها أوقيادتها أحيانًا علي الطرق السريعة بالإضافة إلي عدم وجود أنظمة أمان بها،
- يقوم الأخوات الأكبر سنًّا باصطحاب أخواتهم الأصغر إلي المدرسة فهم مسئولون عنهم وكلاهما يُعد طفلًا حيث لا يتجاوز عمرهم ال18 عامًا،
- شارك الأطفال أثناء التدريب العديد من مصادر الخطرتتعلق بالبنية التحتية حول مدارسهم مثل عدم وجود مطبات أو علامات (منطقة مدارس) ومصادر أخري تتعلق بالناس في محيط المدرسة مثل وجود مجموعات تمثّل خطرًا عليهم أو حتي عدم دراية إدارة المدرسة بعناصر السلامة والأمان اللازمة،
- ذهاب معظم الأطفال للمدرسة مشيًا مما يجعلهم من الفئات الأكثرعُرضة للخطر وهم المشاة حسب تصنيف مستخدمي الطريق الأكثرعُرضة للخطر.
إن هؤلاء الأطفال مثلهم مثل باقي الأطفال معرّضون لخطر تصادمات (حوادث) الطرق لكن يكمن الاختلاف في النقاط التالية:
- البيئات الاجتماعية التي نشأ فيها هؤلاء الأطفال لعبت دورًا في عدم وجود وعي كامل بقواعد السلامة علي الطريق، فالحق في طرق آمنة يُعتبر حق ثانوي إذا ما قورن بحقوق أساسية أخري،
- نشأة الطفل في ظروف اجتماعية سوية تجعله يشعر بالحب والخوف عليه بينما هؤلاء الأطفال قد يفتقدوا هذا الشعور حتي وإن استطاعت الجمعية ودار الإقامة تعويضهم بهذا الشعور فيبقي هناك شعور مفقود بأهمية حياته والحفاظ عليها ويؤثر ذلك علي سلوكياته علي الطريق،
- هناك بعض المفاهيم الخاطئة لدي هؤلاء الأطفال حول الموت وأهمية الحفاظ علي الحياة والاستهانة ببعض التصرفات التي تبدو بسيطة ولكنّها قد تودي بحياتهم،
- القواعد العامة للسلامة علي الطريق هي معلومات تعتبر جديدة علي الأطفال حيث يُعتبر التدريب الأول من نوعه الذي يتعرف من خلاله الأطفال علي قواعد السلامة علي الطريق.
تتغير ظروف النشأة والظروف الاجتماعية للأطفال وبالمقارنة مع احتياجاتهم يبدوالحق في طرق آمنة حق ثانوي بينما هو من الحقوق الأصلية الأساسية التي نطالب بها لهم ولجميع أفراد المجتمع.