منظومة النقل في مصر محط أنظار العالم – نسعى إلى “عودة متطورة” للدراجات
دكتور أحمد الضرغامى، مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية
ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية
رؤية برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية مكتب مصر عن النقل والمواصلات بمصر
تشهد مصر تطورًا وتقدمًا سريعًا في منظومة النقل في ظل تحديات التغيرات المناخية ومخاطر البيئة الناتجة عن الاعتماد المفرط علي السيارات الخاصة والانبعاثات الناجمة عنها. تدعونا هذه التحديات إلي التفكير في بدائل أخري تخلق نمط حياة صحية وبيئة عمرانية آمنة تشمل وسائل نقل متنوعة مناسبة للاحتياجات والمسافات المختلفة. إن التفكير في هذه البدائل يذكَرنا بضرورة التخطيط في نطاق مفاهيم النمو الأخضرفهناك تقدّم ملحوظ في الوعي والثقافة في مصر وتطور سريع في وسائل النقل والمواصلات في المدينة وبين المدن والمحافظات. يُشير الضرغامي إلي ضرورة وجود ما يسمّي بـ “أنسنة” المدينة والتي تشمل الأمان علي الطرق والحفاظ علي التراث والمساحات العامة والحد من أنواع التلوث البصري والسمعي والهواء حتي تكتمل صورة المدينة المستدامة.
هل تكتمل صورة المدينة المستدامة بعد الانتهاء من المشروعات العملاقة من وسائل النقل الجماعي مثل المترو والمونوريل والأوتوبيس السريع وتوسيع الطرق؟
وفقًا للتجارب العالمية، هناك تحدي قادم يُطلق عليه الـ”ميل الأخيرLast-mile” ويعني تجربة المواطن في أول وآخر جزء من الرحلة من منزله وحتي محطة المواصلة أو من المواصلة للمكان المقصود. هناك أيضًا ما يُسمي بالـ”الميل الأوحد Only-mile” ويشير للمسافات القصيرة التي لا تتطلّب سيارة أو نقل جماعي لترسيخ مفاهيم تصميم المدن المدمجة Compact ومدن الاستعمالات المختلطة Mixed Use واللتان تهدفان لتقليل المسافات اللازمة للمواطن للوصول للوِجهات المقصودة دون اللجوء للسيارات والإفراط في الطاقة واستهلاك المساحات العامة وتضييع الوقت وإرهاق المواطن. ولكي يتحقق ذلك، لابد من العمل علي تحقيق تجربة ناجحة لرحلة المواطن من خلال الحفاظ والتوسع في التشجير للتظليل وتخفيف ظاهرة الـجزر الحرارية Heat Islands وتطوير أمان الطرق للمشاة وتأمين مناطق تردد الأطفال والمسنين والمرضي وذوي الهمم ورفع كفاءة وجودة وإضاءة الأرصفة وتوسيعها والتحكم في الضوضاء وتلوث الهواء وتوافر أماكن لعبور المشاة وغيرها من التدخلات التي تحفّز المواطنين للإقبال علي أنواع متنوعة من وسائل التنقل تشمل المشي والدراجات.
هل الدراجات وسيلة انتقال مبتكرة وجديدة بالنسبة لمصر؟
يقول الضرغامي أن الدراجات كانت جزءًا من ثقافتنا، ففي عام 1957 كان مؤسس جامعة أسيوط يستوحي في تصميمها أفكارًا تحفّز علي المشي والدراجات، كما كان يوجد برنامج يوفّر تسهيلات مالية لتحفيز الطلاب علي ركوب الدراجات بالإضافة إلي وجود أماكن آمنة للانتظار ومسارات صديقة للبيئة والمشاة والأهم من ذلك ما كان يتم من ترويج للثقافة ذاتها والاهتمام بمشاركة الفتيات.
ما هو الجديد الذي يقدمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وما هي الخطوات المتاحة لديكم لتمكين الشباب من استخدام الدراجات كوسيلة في التنقل؟

نحن نسعي ليس فقط لاستعادة أنماط الحياة الصحية ومشاركة جميع فئات المجتمع من خلال عودة متطورة للدراجات يتم فيها إدخال التطور التكنولوجي والبنية الرقمية. تقوم منظومة مشاركة الدراجات Bike-sharing علي توفير دراجات للشباب في أماكن استراتيجية عن طريق تطبيق علي الموبايل وبأسعار منخفضة. يُطلق علي هذه المنظومة اسم “كايرو بايك” أو دراجة القاهرة ويستهدف توفير نحو 500 دراجة موزعين علي 45 محطة في أماكن بالقرب من محطات المترو ومقاصد الشباب المختلفة. إن الغرض من مشروع المشاركة في الدراجات هو إتاحة اختيار إضافي لاستخدام دراجات بدون عبء تملكها أو التنقل بها في المواصلات.
وعن سؤاله عن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومحافظة القاهرة والسفارة الدنماركية ومبادرة “جرين آرم” بجمعية نهضة المحروسة لمبادرة سكتك خضرا لتوفيرركنات الدراجات الهوائية بمحافظة القاهرة، أشار ضرغامي إلي أن المبادرة انطلقت عام 2018 وكانت جزءًا من خطة العمل ضمن التدخلات التدريجية لتوفير أماكن ركن للدراجات. أما عن تحديات السلامة، فأوضح ان هناك أنواع مختلفة من السلامة كالسلامة الشخصية التي تتعلق باحتماليات التنمر او التحرش أو الإجرام وهناك نوع آخر لسلامة الطرق التي ترسّخ آداب المرور السليمة. من خلال مشروع “سكتك خضرا” تم تقديم العديد من حملات التوعية بالشراكة مع محافظة القاهرة والمجتمع وشركاء التنمية لترسيخ فكرة وجود مكان للدراجة وتمهيدًا لما هو قادم من تطوير في المدينة والارتقاء بالثقافة العامة. هدفت الحملة أيضًا التوعية بمشاركة السيدات والقيادة الىمنة وكذلك نشرالوعي العام لتقبّل فكرة التوزيع العادل للمساحات العامة التي لا يجب أن تقتصر فقط علي ركن السيارات.
ما هي البنية التحتية اللازمة للدراجات من وجهة نظركم؟ وبما يتفق مع الدول الأخري؟

في المناطق التي تفوق فيها سرعة المركبات الـ30 كم/ساعة، هناك مخطط لمزيد من التطوير في منطقة وسط البلد والمناطق المجاورة من قبل وزارة الإسكان والمحافظة ومكاتب استشارية مصرية رائدة في هذا المجال وبالتشاور ووالتنسيق مع إدارات المرور للانتقال التدريجي نحو الفكر الجديد بحيث تتضمن التصميمات القائمة شبكة متكاملة من المسارات المنفصلة للدراجات دون التأثير علي عدد حارات المرور. أما في المناطق التي بها سرعات منخفضة للمركبات، فمن المعتاد أن تترك تلك المساحات للاستخدام المشترك ولكن يجب تكثيف حملات التوعية بآداب المرور. وأشار ضرغامي إلي أنه يتم الإعداد حاليًا لكود مصري للبنية التحتية للدراجات ولمساراتها من خلال لجنة برئاسة المركز القومي لبحوث الإسكان.
ماذا عن الإنجازات المتوقعة لنجاح هذا المشروع؟
يُتوقع ان هذا المشروع يساهم في تخفيض نسبة الانبعاثات نتيجة لتقليل الاعتماد علي السيارات واستبدالها بوسيلة تنقل صديقة للبيئة. إن هذا المشروع ليس هدفه فقط تشجيع الأنماط الصحية ولكن أيضًا التجربة الممتعة في التفاعل مع المدينة، ففكرة الاستمتاع مهمة لدولة مثل مصر تتميز بكونها بمثابة متحف مفتوح ومزار سياحي له أصول طبيعية وتراثية.
أما عن النتائج الاقتصادية لاستخدام الدراجات فالمدية الصديقة للمشاة وركوب الدراجات تستفيد من عدة عوائد اقتصادية مثل ارتفاع قيمة العقار وعائد الأنشطة التجارية وتحسين عائد السياحة الداخلية والخارجية وكذلك العائد الاقتصادي عن تحسن صحة المواطن بسبب نمط الحياة وتحسين إنتاجية الفرد. ينوّه الضرغامي إلي أن الدراجات يجب أن يُنظر إليها كجزء من مجموعة الحلول التي تشمل سياسة إدارة ركن السيارات والحد من استخدامها لتقليل الازدحام بجانب وضع معايير لوقود السيارات. لذلك يسعي برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية إلي التفكير بمنطق “حزمة حلول” ومثال علي ذلك منظومة الأوتوبيسات السريعة التي تربط مديمة 6 أكتوبر بالجيزة والتي لن يُسمح فيها بحافلات دون معايير الانبعاثات العالمية وسوف تشمل إعتبارات كثيرة لخدمة المشاة وراكبي الدراجات.
كيف تواجهون الإعتقادات الشائعة حول مسار الدراجات والتي منها أنها تؤدي للإزدحام؟
هنا يشير الضرغامي إلي نقطتين، الأولي أن ما يحدث من توسيع الرصيف لصالح المشاة ومسارات الدراجات يزيد من إقبال المشاة علي استخدام الرصيف وعدم اللجوء لنهر الطريق، فنحن كثيرًا ما نري رصيف ضيق أو به إشغالات فوق طاقته يدفع بالمشاة للنزول للشارع ويتسبب في زيادة الإزدحام. والثانية ما تم إثباته من خبرات مدن العالم والنتاج البحثية أن تضييق بعض الطرق لصالح المشاة أو الدراجات أي توسيع الرصيف ينتج عنه “التبخر المروري Traffic Evaporation” وتعود أسبابه إلي تأقلم المواطنين مع الوضع الجديد وتغيّر جزئي في إختيارات المواطنين وأنماط حياتهم وتنقلهم اليومي.
إن الاعتماد علي نتائج الدول الأخري هو فقط للاسترشاد والتعلم من أخطاء الآخرين، فقد تختلف ظروف كل مدية عن الأخري. لذلك، تم إعداد دراسات لتقييم التأثير المروري الناتج عن سيناريوهات مسارات الدراجات بالتشاور مع الجهات المعنية والمكاتب الإستشارية الرائدة في هذا المجال للتأكد من عدم الإضرار وتحسين الأمان علي الطريق.
إن الفهم العام للتجارب العالمية يجعلنا نتفهم جزء من لغز الحفاظ علي المساحات العامة في المدن العالية التكدس، وكيفية حفاظهم علي البيئة الملائمة للمشاة والدراجات والأشجار وغيرها من الهناصر المهددّة. هذا ما انتهجته مدن كثيرة مثل طوكيو وسنغافورة وغيرهم ويُطلق عليه “أنسمة المدينة” وهذا ما نتطلّع إليه في المراحل القادمة، فالوعي في مصربالقضايا البيئية والاجتماعية ومبادئ المدن المستدامة يجعلها تصل إلي ما ارتقت إليه مدن العالم.
